من دواعي الاستهجان والإستغراب ألا يركز الإعلام العربي على طبيعة المواقف التي يعبر عنها المتنافسون على رئاسة حزب " كاديما " الحاكم في إسرائيل والتي لا تدع مجالاً للشك حول وجهة الكيان الصهيوني المستقبلية، وألا تقف الأنظمة العربية وقف جادة أمام هذه المواقف. وتكمن أهمية التركيز على هذه المواقف، وإدراك دلالاتها، ليس فقط في حقيقة أن أحد هؤلاء المرشحين سيتولى قيادة الكيان الصهيوني في مرحلة ما بعد " ايهود اولمرت " الذي سيستقيل من منصبه بعد إختيار خلفاً له في زعامة الحزب، بل أيضاً لأن " كاديما " يقدم نفسه كحزب " وسط " وبالتالي فأن مواقفه تمثل لب الإجماع الصهيوني في هذا الكيان. ولو كان هناك أحد من صناع القرار في العالم العربي يأخذ الأمور على محمل الجد لدعا الى إجتماع قمة عربية عاجلة لمناقشة دلالات هذه المواقف وتداعياتها المستقبلية. فالمواقف التي يطرحها المتنافسون على زعامة الحزب الحاكم في الكيان الصهيوني لا تدع مجالاً للشك بأن هذا الكيان لا يتجه فقط نحو مزيد من التطرف السياسي، بل أن أن النخب السياسية في تل أبيب لا تألو جهداً في الحرص على ضمان بقاء كل العوامل التي تبقي جذروة الصراع مع العالم العربي مشتعلة. فلو توقفنا ملياً عند المواقف التي يتبناها المتنافسان الرئسيان وهما وزيرة الخارجية تسيفي ليفني ووزير المواصلات شاؤول موفاز لكان من السهولة الحكم ببؤس الرهان على أي مستقبل للمفاوضات مع هذا الكيان. فعلى سبيل المثال أعلن موفاز رفضه المطلق وبكل شكل من الأشكال تنفيذ أي إنسحاب من هضبة الجولان مهما كان صغيراً ولو كان المقابل التوقيع على اتفاق تسوية تاريخي مع سوريا، في نفس الوقت فأن موفاز يرفض بكل قوة إبداء أي مرونة في موضوع القدس واللاجئين وغيرها من القضايا، فضلاً عن تعهده بتصفية القيادات السياسية والعسكرية لحركة حماس في حال فاز بزعامة الحزب وبرئاسة الحكومة الصهيونية. ومن أجل إقناع الناخبين بأنه يمكن الإعتماد عليه في تحقيق هذه الأهداف فقد أعاد موفاز للأذهان أكثر من مرة أنه كان " مهندس سياسة الإغتيالات " عندما كان رئيساً للأركان ووزيراً للحرب أثناء انتفاضة الاقصى. وقد شعر موفاز بإرتياح كبير عندما كشف النقاب هذا الإسبوع عن أنه أصدر تعليماته في مطلع انتفاضة الاقصى وكرئيس لهيئة أركان الجيش بأن يقوم الجيش كل يوم بقتل 70 مدنياً فلسطينياً. مقربو موفاز إعتبروا أن الكشف عن هذه التعليمات يمثل في الواقع " شهادة جدارة له كمرشح لقيادة الدولة ". وإذا انتقلنا الى المواقف التي تعبر عنها ليفني التي تدل استطلاعات الرأي بأنها الأوفر حظاً بالفوز لوجدنا أنها لا تقل تطرفاً عن موفاز، فليفني أبدت معارضة شديدة لإجراء المفاوضات بين حكومتها وسوريا، فضلاً عن رفضها المطلق لمسودة اتفاق المبادئ الذي إقترحه أولمرت على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، رغم أنه يهدف الى تصفية القضية الوطنية الفلسطينية، ناهيك عن تشديد ليفني على وجوب العمل على التخلص من فلسطينيي 48 بوصفهم " خطر ديموغرافي " على الكيان الصهيوني، بالإضافة الى تأكيدها على أنها " عازمة على سحق "التطلعات الوطنية للشعب الفلسطيني المتمثلة في استعادة حقوقه عبر استخدام القوة.
فإذا كانت هذه مواقف النخب السياسية التي تمثل " الوسط " الصهيوني، فما بالك بالمواقف التي تتشبث بها القوى اليمينية التي تؤكد إستطلاعات الرأي العام أنها ستفوز بإغلبية مقاعد الكنيست في أي انتخابات تجرى في المستقبل. فزعيم حزب " الليكود " اليميني بنيامين نتنياهو يرى أن حل القضية الفلسطينية يتمثل فقط في تحسين الظروف الإقتصادية للفلسطينيين، على أن يتولى الأردن إدارة شؤون التجمعات السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية، مع بقاء كل مظاهر الاحتلال والتهويد في الضفة الغربية والقدس. أما القوة اليمينية الثانية من حيث الشعبية فهو حزب " إسرائيل بيتنا "، الذي يقوده الفاشي افيغدور ليبرمان الذي يدعو الى فرض " السيادة اليهودية " على الحرم القدسي الشريف، وتكثيف الإستيطان في الضفة الغربية واستكمال تهويد مدينة القدس وتغيير معالمها الإسلامية. في نفس الوقت فأن ليبرمان يرى حل القضية الفلسطينية في اعادة توطين اللاجئين في صحراء سيناء، ناهيك عن مطالبته ب " تأديب " النظام في سوريا عبر قصف قصر الرئاسة السوري، إلى جانب تكراره الدعوة لقصف السد العالي لتوجيه ضربة اقتصادية قوية لمصر " رداً على أي موقف عدائي يصدر عن القاهرة "، واللافت أن تصريحات ليبرمان بخصوص مصر يأتي في ظل اجماع قادة الأجهزة الامنية الصهيونية على أن القاهرة تقوم بجهود " صادقة ومكثفة " لمنع عمليات تهريب السلاح لحركات المقاومة في قطاع غزة.
أن جملة المواقف آنفة الذكر تعكس حالة الإغتراب عن الواقع الذي تحياها الأنظمة العربية في علاقتها مع إسرائيل ومقارباتها المختلفة من قضية حل الصراع مع الكيان الصهيوني. فالمواقف التي تعبر عنها النخب السياسية الصهيونية تدلل بشكل لا يقبل التأويل على أنه لم يعد من المنطقي أن يواصل العرب التمترس خلف مبادرة السلام العربية دون أن يكون للمواقف الرسمية الصهيونية الواضحة والجلية أي تأثير على الموقف العربي. أن جملة المواقف الصهيونية تفرض على الدول العربية التداعي لعقد لقاء قمة عربية لإعادة تقييم الموقف من المبادرة العربية والعمل على صياغة استراتيجية جديدة في مواجهة إسرائيل، أن كان هناك ثمة أحد يعنيه مصير فلسطين وقضيتها، وحتى مصير الأنظمة العربية ذاتها.